روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | علماء الأندلس.. في عهد المرابطين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > علماء الأندلس.. في عهد المرابطين


  علماء الأندلس.. في عهد المرابطين
     عدد مرات المشاهدة: 6590        عدد مرات الإرسال: 0

سنتناول في هذا المقال أشهر علماء الأندلس في عهد المرابطين وخاصة في عهد علي بن يوسف بن تاشفين.

فقد تولى علي بن يوسف بن تاشفين البلاد بعد وفاة والده سنة 500هـ، وسار على نفس درب أبيه، فتابع الجهاد ونشر العدل، وقرب العلماء.

وكان حسن السيرة، جيد الطوية، عادلاً، نزهاً، حتى كان إلى أن يعد من الزهاد المتبتلين أقرب.

وأدخل من أن يعد من الملوك، واشتد إيثاره لأهل العلم والدين، وكان لا يقطع أمراً في جميع مملكته دون مشاورتهم، وكان إذا ولى أحداً من قضاته.

كان فيما يعهد إليه أن لا يقطع أمراً دون أن يكون بمحضر أربعةٍ من أعيان الفقهاء، يشاورهم في ذلك الأمر، وإن صغر، فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغاً عظيماً.

ونفقت في زمانه كتب الفقه في مذهب مالك، وعمل بمقتضاها[1].

ومن أشهر العلماء الذين برزوا في عهد علي بن يوسف ما يلي:
 
القاضي أبو بكر ابن العربي (468-543هـ=1076-1148م)

هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري الإشبيلي الأندلسي المالكي، وُلِدَ في إِشْبِيلِيَة سنة 468هـ، تعلَّم في الأندلس ثم ارتحل مع أبيه.

فتعلَّم في بغداد ثم في دمشق ثم في بيت المقدس ثم في مكة ثم في مصر، وفي الإسكندرية مات أبوه فدفن هناك، ثم رجع إلى الأندلس في سنة (491هـ).
 
ومن أشهر شيوخه الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والفقيه أبو بكر الشاشي، والعلامة الأديب أبو زكريا التبريزي، والطرطوشي وجماعة آخرين[2].
 
وقد نقل إلى الأندلس علمًا كثيرًا وإسنادًا عاليًا، وتخرج على يديه أئمة كثيرون، من أشهرهم القاضي عياض، وأبو جعفر بن الباذش[3].
 
وله مؤلفات كثيرة من أشهرها: العواصم من القواصم، وأحكام القرآن، وأنوار الفجر في التفسير، أتمَّه في ثمانين ألف ورقة، والناسخ والمنسوخ، والقبس، شرح موطأ مالك بن أنس، وعارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي[4].
 
يذكره ابن بشكوال فيقول: «الإمام العالم الحافظ المستبحر، ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها... كان من أهل التفنُّن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدِّمًا في المعارف كلها، متكلِّمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها.

ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة ولين الكنف، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحُسن العهد، وثبات الوعد، واستقضى ببلده فنفع الله به أهله لصرامته وشدَّته، ونفوذ أحكامه، وكان له في الظالمين سَوْرة مرهوبة، ثم صُرِفَ عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثِّه.
 
وتوفي أبو بكر ابن العربي بالعدوة ودُفِنَ بمدينة فاس في ربيع الآخر سنة 543هـ[5].
 
القاضي عياض (476-544هـ= 1083-1149م)

علماء الأندلسهو القاضي الإمام المجتهد اليحصبي، سبتي الدار والميلاد، أندلسي الأصل، وُلِدَ بسبتة في النصف من شعبان عام (476هـ).

وقد ألف ابنه القاضي أبو عبد الله محمد كتابًا يَذكر فيه مآثر أبيه، سماه: (التعريف بالقاضي عياض)، وقد نَقل عنه الكثير من المؤرخين والعلماء.

وكان عمرون (أبو جد القاضي عياض) رجلاً خيارًا من أهل القرآن، وحجَّ إحدى عشرة حجة، وغزا مع المنصور بن أبي عامر غزوات كثيرة، ثم انتقل إلى سَبْتَة ووُلد له ابنه عياض، ثم وُلِدَ لعياض ابنه موسى، ثم ولد لموسى القاضي أبو الفضل عياض.
 
وكان أبوه حافظًا لكتاب الله، مع الحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه، وكان من أئمة الحديث في وقته، أصوليًّا متكلمًا، فقيهًا حافظًا للمسائل، نحويًّا أديبًا شاعرًا خطيبًا.
 
رحل القاضي عياض إلى الأندلس، فدرس بقرطبة ومرسية وغيرهما، ثم عاد إلى سبتة، فكان من علمائها وهو ابن ثلاثين سنة أو أكثر بقليل، ثم جلس للشورى، ثم ولي القضاء، فسار في ذلك حسن السيرة مشكور الطريقة، ثم انتقل إلى غرناطة في أول صفر سنة 531هـ، فتولى القضاء بها، ثم قضاء تادَلة.
 
وله من المؤلفات كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وإكمال المعلم في شرح مُسلم، والمستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة، وترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، والإعلام بحدود قواعد الإسلام، والإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع.. وغيرها كثير.
 
قال ابن بشكوال: جمع من الحديث كثيرًا، وله عنايةٌ كثيرة به واهتمام بجمعه وتقييده، وهو من أهل التفنُّن في العلم والذكاء واليقظة والفهم[6].
 
وقال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي -يعني القاضي عياضًا- للمناظرة وله نحو من ثمانٍ وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هَيِّنًا من غير ضعف، صلبًا في الحقِّ...

ولم يكن أحدٌ بسَبْتَة في عصره أكثر تواليف منه... وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلاَّ تواضعًا وخشية لله تعالى[7].
 
وقال عنه القاضي ابن خلكان في (وفيات الأعيان): كان إمام وقته في الحديث وعلومه، والنحو واللغة، وكلام العرب، وأيامهم وأنسابهم[8].
 
وقال أبو عبد الله محمد الأمين في كتابه (المجد الطارف والتالد)، يصف مكانة القاضي عياض العلمية.

وقدره الرفيع بين علماء الإسلام: «مقام عياض مثل مقام البخاري والأئمة الأربعة...

وانظر إلى عياض فلا ترى تأليفًا معتبرًا من تواليف أهل الحديث، ولا أصحاب السير والفقهاء إلاَّ وجدته مشحونًا بكلامه، مع أنه لم يرتحل إلى المشرق»[9].
 
وقد توفي القاضي عياض بمراكش ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة من سنة (544هـ)، ودفن في باب إيلان من داخل السور[10].

[1] الذهبي: تاريخ الإسلام 36/445.
[2] انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان، 4/297.
[3] انظر: المقري: نفح الطيب، 2/30.
[4] انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، 20/197، وما بعدها بتصرف.
[5] ابن بشكوال: الصلة، 2/856.
[6] ابن بشكوال: الصلة، 2/660، 661.
[7] انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ، 4/68.
[8] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 3/483.
[9] انظر: عبد الحي الكتاني: فهرس الفهارس، 2/804.
[10] انظر: ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 4/222-230، بتصرف.

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام